إذا رأيتَ هذا: فأنت في المدارس الإسلامية في الهند لا غير!

بقلم الشيخ د. عامر بهجت حفظه الله
(عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة بالمدينة النبوية)
بسم الله الرحمن الرحيم

كان وما زال من أمنياتي العلمية أن يكتمل لي سماع الكتب الستة -بلا فوت- على المشايخ المسندين؛ ليتصل لي سماعها بالإسناد إلى أصحابها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
وكنتُ أعاتب نفسي قائلًا: كيف لك أن تدعي طلب العلم ولم تكمل قراءة دواوين الإسلام الستة وأصوله!
وكنتُ -حينًا من الدهر- أظن أن تلك الأمنية السالفة مما لم ينله إلا النزر اليسير من طلبة العلم!
ولكن (لا عبرة بالظنّ البيّن خطؤه)
فقد اكتشفت عندما زرت الهند أن قراءة الكتب الستة -حرفًا حرفًا- مقرر دراسي مر عليه مئات الألوف من طلاب العلم في تلك القارة!
بل لقيت مرة شابًا هنديًا يعمل في سوق الخضار في مدينة بريدة في القصيم رأيت في وجهه نورًا فسألته فإذا هو ممن قرأ دواوين الإسلام الستة، وصحيح البخاري منها على العلامة المحدث الكبير/ محمد يونس الجونفوري -رحمه الله- وكان معي رجل من أهل القصيم فتعجب أن عاملا في سوق الخضار قرأ الكتب الستة، فقلت له: لا تعجب فإنه من أهل الهند!
إذا سمعت عن مئات الألوف درسوا الكتب الستة كاملة في القرن الخامس عشر الهجري فاعلم أنك تتحدث عن المدارس الإسلامية في القارة الهندية لا غير!
إذا سمعت عن عالم درَّس صحيح الإمام البخاري أربعين مرة فاعلم أنه -على الأغلب- مدرس في أحد المدارس الإسلامية في القارة الهندية لا غير.
إذا بلغك خبر عن آلاف الطلاب يثنون الركب في لحظة واحدة يوميًا في مدرسة واحدة فاعلم أن الخبر -إن كان في زماننا- أنه خبر عن تلك المدارس المباركة!
إذا سمعت عن (دورة للحديث) تستمر سنة كاملة أو سنتين تنعقد النهار جله بشكل يومي لقراءة السنة النبوية، ولا تتخرج منها دفعة إلا وجاءت دفعة أخرى فاعلم أنها في تلك المدارس الإسلامية المباركة!
امش في جنباتها لتبصر فيهم القرون الأولى من عصور الإسلام!
قلب بصرك فيها لترى رأي العين ما كنت تقرؤه في كتاب (صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم وتحصيله)!
وعش فيها لترى ما كنت تظن أنه لا يرى إلا في كتاب أو تحت تراب!
ولتبصر في الوجوه الحماسة المنقطعة النظير لطلب العلم، ولورود معين السنة والحديث.

بقي أن أعود إلى أمنيتي الأولى وأقول: تحقق لي سماع أربعة من الكتب الستة على مشايخ الهند، وواحد على شيخ أخذ عن مشايخ الهند، وبقي لي واحد لم أسمعه!
فأنا -إذا علا إسنادي- من طلابهم، وإذا نزل فمن طلاب طلابهم!
ولا يُحصى من رحل من شيوخ بلادنا المملكة العربية السعودية وغيرها من الأقطار الإسلامية إلى شيوخ الهند طلبا للحديث، وقلَّ أن تجد في زماننا مسندًا إلا وهو يروي عنهم…
فهنيئًا لأهل الهندِ خدمة السنة والحديث….
أهل الحديث همُ صحب النبيّ إذا
لم يصحبوا نفسَهُ أنفاسه صحبوا

وقد قلت في مجلس لختم الترمذي على بعض علماء الهند:
أَحْمَدُ رَبِّيْ هَادِيَ الْهُنُودِ
لِـخِدْمَةِ الدِّينِ بِكُلِّ جُودِ

وَخِدْمَةِ الْحَدِيثِ وَالآثَارِ
مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيْ المُخْتَارِ

وَبَعْدُ: قَدْ أَكْرَمَنَا اللهُ الَّذِي
وَفَقَنَا بِخَتْمِ سِفْرِ التِّرْمِذِي

عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ
وَذَاكَ مِنْ رِوَايَةِ الْكَرُوخِي

فسلامي على كل طالب يحمل قرطاسه وقلمه في تلك المدارس يجاهد نفسه وهواه ويترك المثبطين مقبلا على العلم والسنة
وسلامي على كل شيخ ترك متاع الدنيا ليجعل حياته وقفا لله تعالى لتعليم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
سلامي عليهم فردًا فردًا أبعثه لهم من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله وبركاته

محبكم/ عامر بهجت

Related Posts

جواب دیں

آپ کا ای میل ایڈریس شائع نہیں کیا جائے گا۔ ضروری خانوں کو * سے نشان زد کیا گیا ہے